تاريخ شاق في حياكة الملابس اتسم بالاحتشام ومراعاة العادات والتقاليدأثرت طبيعة واحة القطيف الفريدة والجميلة بنخيلها الأخضر، ومياه الخليج الزرقاء على اثقال المرأة فيها بخبرات كثيرة في كافة مناحي الحياة العملية والأسرية والإجتماعية. فلم يكن يخلو بيت من بيوت هذه الواحة منذ الخمسينات من القرن الماضي، الا وتجد فيه من يحيك الملابس، حيث اعتمدت المرأة في القطيف على نفسها في خياطة ملابسها وملابس اسرتها قبل انتشار الملابس الجاهزة كما نري الآن، فتفننت في صناعة العبايات، والمشامر، والسراولة وهي بلهجة أهل القطيف تنطق بـ "الصراولة"، والقبعات وحتى ملابس الرجال من الأقمشة، التي كانت تأتي من الهند ومصر لتصنع منها أجود مفروشات الأسرة والبردة والمساند المطرزة بالزهور والطاووس والأشجار والفراشات.الخياطة اليدويةفي البداية تقول فاطمة ملك، إن الخياطة اليدوية في الخمسينات كانت موجودة في أغلب بيوت القطيف، وكانت النساء يعتمدن على الخياطة بالإبرة قبل ظهور المكينة اليدوية، ومن لا تجيد الخياطة كانت تستعين بجارتها، أو من بعض أحياء حي القلعة أو من خارجها، وقد برعت المرأة القطيفية عموما في انتاج "الصراويل" المختلفة والمتنوعة، من بينها: أبو مدرسة، والطارة، والنارجيلة حمد، والمحجل، والبمباوي، والمشجر، والمكشكش، والمنقوش، ولكل نوع خصائص وأشكال محددة تختلف عن بعضها البعض في نوع القماش وكذلك في طريقة التطريز والخياطة، أو خلو بعضها التطريز
فاطمة ملك: المرأة القطيفية تفننت في الخياطة بالإبرة قبل ظهور المكينة اليدوية
وتضيف إن صناعة الصراول بكل أنواعها استخدمت في خياطتها القماش الأبيض وهناك بعض استخدموا فيه غرزة التاج والخندزي واعتمدوا على الخيوط القطنية في "سروال المدرسة" وكنا يضعن في نهايته "الأوية" وهي قطعة مخرمة، وهناك "سروال الطارة" وسمي بذلك لأنهم يضعون قطعة القماش على حلقة مدورة من الخشب تسمى بالطارة ويبدئن بتطريزها بخيوط زاهية الألوان، "والسروال المحَجَل" المنقوش بخيوط الزري الجاهزة، أو ما تصنعه النساء بأنفسهن باستخدام قطعة من الستان وسمي بهذا الاسم لأنهم كانوا يزينونه بحجل من تحت نهاية الساق حتى إذا خرجت المرأة لا يرتفع ويعطيه شكل جميل وألوانه الأسود أو الأبيض ويلبس في الزواجات والمواليد.التول المطرزوتضيف ملك، حتى تزين المرأة شعرها كانت تغطية بما يسمى "الملفع" وهو من التول المطرز بخيوط معدنية تستورد من الهند والبحرين ومنها ما يعرف بملافع النغدة، وهي من التول الأسود المطرز بخيوط زري ذهبي، أو فضي، ويستخدم لتغطية الرأس، والفتاة الصغيرة قبل سن البلوغ كانت تلبس "البخنق" وهو من القماش العادي وحتى تتزوج تلبس بعدها "الرداء" وهو قماش أسود من القطن مزخرف بالأحمر، والذهبي يسمى أناجر، والمزخرف بالأحمر فقط يسمى بَرْوَجي، ويجلب من البحرين أو الهند،
وبدخول المكينة اليدوية تفننت المرأة القطيفية في الخياطة، ومن الزينة التي تتزين بها المرأة كانت "القحفية" للسيدات وهي نوعان من القماش السادة تلبس في البيت، وهناك نوع آخر من الستان المبطن والمحاك بغرزة السلسلة، للخروج ويضعون عليها الذهب وتلبسها المرأة وتتزين بها.الثوب الهاشميوتقول، إن الثوب الهاشمي أنواعه كثيرة فمنه، القطن الوايل، والتول، والنايلون، السامتين، والبريسم، وأسفله كانت المرأة تلبس "النفنوف" وهو ثوب من قماش القطن، والكودري، والوايل وهي ألوان متعددة أو سادة عبارة عن صيوان وصخمة بكم طويل أو نصف كم ويلبس أسفل الثوب الهاشمي ويطرز بغرزة التاج والخندوزى.ولم تقتصر مهنتها على الحياكة والتطريز على الملابس فقط، بل تعدت لتساهم في خياطة ما يزين المنازل كـ"بردة الباب" حيث كان له نصيب أيضاً وخاصة حينما تتزوج العروس ويجهزون لها بردة للباب وغطاء للسرير من القماش الفائض من التول أو الكزاز المطرز بأجمال الأشكال المستخدم من خيوط صراولة المدرسة والمنام والمساند.أنيسة الخنيزي:أصحاب الدكاكين جاءوا الينا في القطيف لنصنع لهم ملابس للبناتوتروي أنيسة مدن الخنيزي، قصتها مع الخياطة وتقول تعلمت في سن مبكر جدا مع شقيقتي أم شمس، بتشجيع من أمي زهراء عبد النبي الشماسي رحمها الله، وعلمت نفسي بنفسي منذ أن كنت صغيرة، حتى أصبحت أجيد كل فنون الخياطة بجميع أنواعها نسائي وبناتي وأطفال وحتى الرجالي فالخياطة تعتبر في تلك الأيام من الأمور الأساسية والمهمة عند المرأة في السابق.وتضيف، كان أصحاب دكاكين الملابس يأتون إلينا بالأقمشة الكيمري الملونة لنفصل لهم كميات كبيرة من ملابس البنات حتي يعرضها للبيع، والاقمشة المتداولة في الخمسينيات لها أسماء كثيرة منها "الدولين" "وعروسك الحلوة" و"شهر العسل" و"الكزاز" وهو "نايلون الرقيق" والقطيفة بأنواعها، التول والوايل، والبافتة، والتترون، وزربفت، وضياء اليل، وجورسيه، والصاروخ، والكودري، وشعر صباح، والدانتيل والكريب، والبمبي، وكل هذه الأقمشة كان يأتي بها التجار من الهند.أنوع مختلفةوتقول الخنيزي، عملت على خياطة الملابس النسائية بأنواعها المختلفة مثل "ثوب النفنوف" وهو صخمة وصيوان يزين بشلش وتيب، وكذلك "ثوب الماكسي" ويتكون من قطعة وحدة الطويل، والقصير، الكلوش الكبير ونص الكلوش بِكِم طويل، ونصف كم، وبدون كم، يسمى "مزلط" الثياب المفرخة" أي المقسمة من أعلى إلى أسفل بمسافات متساوية، وألوان مختلفة وبين كل قطعة وأخرى تطريزة، كما عملت في صناعة "التبانات" وهي ملابس المواليد الرضع من شهر إلى سنة بأنواعها المختلفة، كما قامت بحياكة الملابس الداخلية للمرأة مثل الشلحة المزينة بالتطريز.هندسة التصميموتقول "الخنيزي"، لم يقتصر عملي على الخياطة بل تعدي إلى رسم الموديل بإستخدام الكربون حيث كنت أعمل على زخرفة القطعة ورسمها باختيار الرسمة المطلوبة واستخدمت في ذلك الكربون فكنت أضعه فوق القماش وانسخه ثم اطرزها بأشكال مختلفةكما توسعت في تطريز المساند والمخدات وبردة الأبواب والستائر اللازمة لهم وبردة البلنك، وكذلك "سرير العروسين" بخيوط ملونة وزاهية وطرزت البُردة برسمة السفة المزينة بالأشجار والورود وبألوان زاهية وجميلة وملائمة لكل الأذواق، وكنت أخيط بالنغدة العريضة باستخدام إبرة النفدة وهي ابر خاصة تزخرف بها الملافع التول الأسود، وكنا نشتريها من البحرين. الثوب الهاشميوتضيف الخنيزي، إن السيدة القطيفية تفوقت في خياطة الثوب الهاشمي هو مشهور عند نساء القطيف المكون من خمس قطع "البدن" وهي "قطعة طويلة، والأكمام فيها واسعة" و"التخاريز" قطعتين كل قطعة تسمى تخروز كما قمت بخياطة المشامرة وهما نوعان: الأول وهو "الجرخ" ويعني كلوش، والثاني: "الفجتين" ويعني قطعتين قطعة على قطعة. ولم أقف عند ذلك بل اشتغلت على تفصيل "الصراولة" أيضاً بجميع موديلاتها وصروال بأويه وهو عبارة عن شلايل منظمة بعضها على بعض في الخياطة، والصروال المقلم أبيض وأحمر أو أزرق وأصفر وهو عبارة عن صروال في وسطة قصة مثل السمكة وتلبسة الفتيات حتى يكون واسعاً فلا يضايقهن أثناء اللعب، والصروال الأبيض النسائي بأنواعه المعروفة.أنواع التطريزوتوضح أنيسة الخنيزي، عمل الطرازة بقولها هي دائرة من خشب مكونه من قطعتين ولها قفل ونتحكم فيه لشد القطعة، والنوع الثاني يعرف باسم "التنسيل وهو عبارة عن تطريز خاص، ونوع الثالث يسمى مدرسة وهذا النوع نختار فيه الرسمة التي تعجب صاحبتها بعد ذلك نقوم بوضع القطعة وفوقها الكاربون ونرسمها كما هي ثم نشدها بحذر ونحرك قلم الرصاص عليه فتطبع ما نريد.وعن الخيوط المستخدمة في "الصروال".. تقول: نختار خيوط تسمى خيوط مدرسة أسيج ويتم قصهم و"قرملتهم" مثل قرمالة الشعر، وبعد الإنتهاء من التطريز يأتي دور المكينة فنركب ألوية وهي عبارة عن شلش مزخرف ويزين السروال بشلايل بعضها على بعض.وتؤكد، في القطيف خياطات ماهرات حيث لا يوجد منزل إلا وفيه مكينة خياطة، ومن النساء المشهورات بالخياطة ملوك بنت الماحوزي رحمها الله كانت تخيط كل شيء حتى ملابس الزفاف والعبيان المزينة بشد الورد.أشهر أحياء القطيفويقول الباحث عبدالرسول الغريافي، يشتهر القسم الغربي من حي الشويكة بالحياكة منذ القدم فملابس الملك عبدالعزيز رحمة الله- كانت تصنع في القطيف وكان القماش يأتي من الهند واليابان عن طريق الجمرك وكان من يستلمه هو صالح المسلم وهو من مشاهير خياطين القطيف وقتها ومن أهالي القلعة حيث كان يوزع القماش على بعض خياطين القطيف إلى سعيد المدن (الحيين) من الدبيبية، وإلى سعود طناب، وعبدالكريم المصطفى، وعبدالله الدهنيم، وأحمد الجشي أبو رضي من القلعة، وكانت شحنة القماش كبيرة لأنها تفصل له ولأسرته وبعض الحاشية، وقد اشتهر أهالي القطيف باتقان تفصيل الملابس المعروفة بالشلاحات وكذلك الشد (القيطان ومنها صناعة الأزرة القماشية على شكل كرات). عبدالرسول الغريافي : ملابس الملك عبدالعزيز كانت تصنع في القطيف على يد صالح المسلمالباحث عبدالرسول الغريافيويضيف لذلك فقد ذكر جعفر الخطي في شعره "مهنة الزرار" أي صانع الأزرة، وكانوا يزركشون الثياب ويخيطون لها الأكمام الطويلة والعريضة جدا، وقد كانت تأتي لهم المقاسات جاهزة وبعد أن تجهز تسلم إلى إمارة القطيف التي تقوم بدورها لارسالها إلى الرياض، وكان من يخيط معه من عائلة المسلم والمدن "الحيين أو الحي".ويشير الباحث الغريافي: هناك أحياء في القطيف كانت متخصصة بنوعية معينة من الخياطة كحي باب الشمال حيث تخصص أهله في صناعة المديد والغزول، وحي الجراري تخصصوا في صناعة الفخاريات والجرار و"بهذا سميت الجراري"، وفي المدارس كان بها مداور طحن الحبوب تديرها الدواب فاشتهر هذا الحي بها، وفي حي الشويكة كان هناك فريق يعرف باسم فريق الحيَّاكة (الحيّاچة) وأمتهن اغلب سكانه مهنة حياكة الأقمشة ونسجها حيث كانت مصدر رزقهم الوحيد.